مقالات

العفو عن المعتدي وأثره على نزعة العدوان

سؤال يطرأ هنا على الذهن وهو : ألا يعتبر العفو عن الظالم المعتدي تأييداً لظلمه وتشجيعاً لنزعة العدوان لديه؟ ألا يؤدي العفو إِلى ظهور حالة سلبية من اللامبالاة لدى المظلومين.

والجواب هو : أنّ العفو لا صلة له بمسألة تحقيق العدل ومكافحة الظالم ، والدليل على ذلك ما نقرؤه في الأحكام الإِسلامية من نهي عن ارتكاب الظلم وأمر بعدم الخضوع له ، كما في الآية {لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة : 279] وقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) «كونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً» (1)  وقوله تعالى : { فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } [الحجرات : 9]

كما نقرأ من جانب آخر الأمر بالعفو والصفح كما في قوله تعالى : { وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة : 237] وقوله : {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ } [النور : 22]

من الممكن أن يتبادر إِلى ذهن بعض البسطاء أن هناك تناقضاً بين هذين الحكمين ، ولدى الإِمعان فيما ورد في المصادر الإِسلامية في هذا المجال ، يتّضح أنّ العفو والصفح يجب أن يكون في موضع بحيث لا يساء استغلاله ، وإِنّ الدعوة إِلى مكافحة الظلم وقمع الظالم يكون له مجال آخر.

ويجدر توضيح أنّ العفو والصفح يكونان لدى تملك القدرة وعند الإِنتصار على العدو وهزيمته النهائية ، أي في حال لا يحتمل فيها حصول أي خطر جديد من جانب العدو ، ويكون العفو والصفح عنه سبباً لإِصلاحه واستقامته ودفعه إِلى إعادة النظر في سلوكه ، والتاريخ الإِسلامي فيه أمثلة كثيرة في هذا المجال ، والحديث المشهور القائل «إِذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه» (2) خير دليل على هذا القول.

أمّا في حالة وجود خطر من جانب العدو ، واحتمال أن يؤدي العفو عنه إِلى تجريه وتماديه أكثر في عدوانه ، أو إِذا اعتبر العفو استسلاماً للظلم وخضوعاً أمامه ورضي به ، فإِنّ الإِسلام لا يجيز مطلقاً مثل هذا العفو ، وكما أنّ أئمّة الإِسلام لم ينتخبوا طريق العفو في مثل هذه المجالات.

_____________________

1. بحار الانوار ، ج42 ، ص256 ، نهج البلاغة ، الوصية 47.

2. نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، الكلمة 11.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى