مقالات

تنزيه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم عن الخطأ في الظاهر والخفاء

(أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ)
وكيف يُدرِكُ في الدنيا حقيقته ، قومٌ نيامٌ تسلُّوا عَنهُ بالحُلُم .
〰〰〰〰〰〰
🔹تنزيه الحبيب المصطفى
عن الخطأ
في الظاهر والخفاء
▪عدنان الجنيد
ذهب المفسرون(1) إلى القول : بأن الله عاتب نبيه في قوله ( عَفَا الله عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ)[التوبة : 43] وكأن الآية تقول – حسب تفسيرهم – : ” هلا تركتهم لما استأذنوك ، فلم تأذن لأحد منهم في القعود ، لتعلم الصادق منهم في إظهار طاعتك من الكاذب، فإنهم قد كانوا مصرين على القعود عن الغزو ، وإن لم تأذن لهم فيه.”(2)
ولهذا عاتبه الله تعالى على خطئه ذلك ، لأنه أذن لهؤلاء المنافقين بالقعود دون أن يأذن له الله تعالى بذلك..
والبعض الآخر من المفسرين(3) – عند تفسيرهم للآية – صرحوا بصدور الذنب من الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم- وذلك من وجهين:
الأول: أنه تعالى قال: (عَفَا الله عَنْكَ )، والعفو يستدعي سابقة ذنب، وذهب إلى هذا القول الزمخشري فقد قال في «كشافه»(4) ما نصه: “( عَفَا الله عَنْكَ ) كناية عن الجناية؛ لأن العفو رادف لها، ومعناه أخطأت وبئس ما فعلت، و ( لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ ) بياناً لما كني عنه بالعفو…”إه

الثاني: أنه تعالى قال: ( لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ )، وهذا استفهام بمعنى الإنكار، فدل هذا على أن ذلك الإذن كان معصية وذنباً وإلى هذا القول ذهب الشوكاني حيث قال في تفسيره(5) ما نصه: ” الاستفهام في ( عَفَا الله عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ  ) للإنكار من الله تعالى على رسوله – صلى الله عليه وآله وسلم -، حيث وقع منه الإذن لمن استأذنه في القعود قبل أن يتبين من هو صادق منهم في عذره الذي أبداه ومن هو كاذب فيه” إه

  • الرد على هذه الأقوال الواهية:
    قولهم العفو يستدعي سابقة ذنب قولٌ خاطئ، فليس ( عَفَا ) هاهُنا بمعنى غفر، بل كما قال النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – : «عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق»(6).
    ولم تجب عليهم قط أي يلزمكم ذلك، ونحوه للقشيري قال: وإنما يقول العفو لا يكون إلاَّ عن ذنب: من لم يعرف كلام العرب.. (7).

قلتُ: إنَّ هذه الآية ( عَفَا الله عَنْكَ) ليس فيها أي عتاب لرسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – بل هي تدل على مبالغة الله في تعظيم وتوقير حبيبه الأعظم وصفيه الأكرم سيدنا محمد – صلى الله عليه وآله وسلم -، كما يقول الرجل لمن يخاطبه إذا كان كريماً عنده عفا الله عنك ما صنعت في حاجتي؟ ورضي الله عنك ألا زرتني ، فلا يكون غرضه من هذا الكلام إلا مزيد التبجيل والتعظيم (8) وليس كما قال الزمخشري(9) : أن ( عَفَا الله عَنْكَ ) كناية عن الجناية، فلقد أخطأ وأساء الأدب، وبئسما فعل فيما قال وكتب، وكان اللائق به كإمام أن يتعلم الأدب في التعبير عن عفو الله تعالى عن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- في هذه الآية على أقل المراتب ـ غفر الله له…
وأمَّا قول الشوكاني – ومن وافقه في قوله – بأنَّ الاستفهام في (عَفَا الله عَنْكَ) للإنكار فليس بصحيح
لأنه ” لا يجوز أن يقال: المراد بقوله:(لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ ) الإنكار؛ لأنَّا نقول: إمَّا أن يكون صدر عن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- ذنب في هذه الواقعة أولم يصدر عنه ذنب، فإن قلنا: إنه ما صدر عنه ذنب امتنع على هذا التقدير أن يكون قوله: ( لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ ) إنكار عليه، وإن قلنا إنه كان قد صدر عنه ذنب فقوله: (عَفَا الله عَنْكَ ) يدل على حصول العفو عنه وبعد حصول العفو عنه يستحيل أن يتوجه الإنكار عليه…”(10).
يُفهم مما سبق أنَّ الآية معناها استفتاح كلام بمنـزلة أصلحك الله وأعزك الله، ولا تشير الآية ( عَفَا الله عَنْكَ ) حتى للعتاب، فضلاً عن وقوع الذنب كما قال المحققون.

  • التفسير الراجح والمعنى الواضح لهذه الآية الكريمة : ( عَفَا الله عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ )، هو ما قاله شيخ الأولياء الأكابر الإمام المجتهد المثابر سيدي محيي الدين بن عربي ـ قدّس الله روحه ـ  فقد قال في «فتوحاته »(11) بعد ذكره للآية ما نصه: ” فهو سؤال عن العلة لا سؤال توبيخ، لأن العفو تقدمه، وقوله: ( حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ ) إنما هو استفهام مثل قوله تعالى لعيسى: (أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ)[المائدة : 116]، كأنه يقول أفعلت ذلك حتى يتبين لك الذين صدقوا، فهو عند ذلك إما أن يقول نعم أو لا، فإن العفو ولا سيما إذا تقدم والتوبيخ لا يجتمعان. لأنه من وبخ فما عفا مطلقاً، فإن التوبيخ مؤاخذة وهو قد عفا، ولما كان هذا اللفظ قد يفهم منه في اللسان التوبيخ لهذا جاء بالعفو ابتداء ليتنبه العالم بالله أنه ما أراد التوبيخ الذي يظنه من لا علم له بالحقائق “

قلت : والعجب من قول ابن كثير في تفسيره(12) للاية ( عَفَا اللّهُ عَنكَ..) بأن الله عاتبه ثم أنزل في سورة النور فرخص له في أن يأذن لهم إن شاء فقال :(فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ ..)[النور : 62] قلت : ماذكره فهو دليل عليه لا له لأن سورة النور نزلت في السنة السادسة للهجرة بينما سورة التوبة التي فيها آية (عَفَا اللّهُ عَنكَ) نزلت في السنة التاسعة
وإذا ثبت ماذكرناه فكيف تكون آية ( عفا الله عنك..) عتاب لرسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – مع أن الله قد رخص له في سورة النور – (فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ ..) – بأن يأذن لهم إن شاء !!
وإلى هنا نكتفي بهذا القدر
……………………………….
الهوامش:

(1) انظر إي تفسير شئت
(2) ” تفسير القرآن العظيم ” [345/2] دار الجيل – بيروت
(3) كالزمخشري والشوكاني وغيرهما ..
(4) ” الكشاف ” [ ج2/ص192] ط ـ الأولى 1403هـ / 1983م.
(5) تفسير الشوكاني” فتح القدير ” [ ج2/ص365].
(6) رواه البيهقي في سننه [2/220] برقم (7656) وابن ماجه في سننه [5/437] برقم (1862).
(7) ” الشفا ” [ ج2/ص158ـ159].
(8) وإلى هذا المعنى ذهب الرازي في تفسيره
انظر: ” التفسير الكبير ” للفخر الرازي [ 58/6] الطبعة الثالثة 1420هجرية – 1999م
(9) قلتُ : لا أدري كيف أعتذر للإمام الزمخشري في خطئه الفَادِح مع أنه العَلَم في استخراج لطائف المعاني، ولكن لكل جواد كبوة، ولكل صارم نبوة، ولقد رد على الزمخشري جماعة من العلماء منهم الصدر حسن محمد بن صالح النابلسي في كتابه ” جنة الناظر وجنة المناظر في الانتصار لأبي القاسم الطاهر “.
(10) الإمام الرازي في “التفسير الكبير ” [58/6] (11)” الفتوحات المكية ” الباب الثامن والخمسون وخمسمائة [ ج4/ص234] ـ ط ـ دار الفكر .
(12) [345/2] وقد عزى قوله هذا إلى”قتادة” واعتمده
🔅من ارشيف 1999م

المركزالاعلامي لملتقى التصوف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى